.
كمـا أنـه ذكـر النـاس بــ ال التعريـف، ولـم يقـل نـاس بـدون ال التعريـف أو أنـاس،
وهـذا دليـل أنّ رغبـة الخـلاص انغرسـت لـدى الجميـع، وهـذا يؤكـده أيضـاً عـدم اسـتخدام
كلمـات مثـل : قـوم أو جماعـة أو أمـة أو غيرهـا بـل النـاس أي: جميـع بنـي آدم،
.
وفيـه إشـارة إلـى أن الأرض امتـأت ظلمـاً وجـوراً
وجميعهـم يتوقـون إلـى الخـلاص سـواء أعلنـوا ذلـك أو أسـروه.
.
» برهة من دهرهم«
البرهـة هـي فتـرة زمنيـة أو حيـن مـن الدهـر فيـه دليـل أو برهـان علـى حـدوث تغييـر حقيقـي
وبما أنهـا مرتبطـة هنـا بالنـاس، لـذا فالمعنـى الأولـي الـذي يقفـز الـى الذهـن مباشـرة أنهـا
قـد تعنـي الجيـل أي البرهـان الزمنـي لحـدوث تغييـر جوهـري فـي النـاس والمجتمـع بظهـور جيـل جديـد،
.
لـذا فـإن البرهـة مـن دهـر النـاس قـد تعـدل وسـطيا (40) عاماً؛
ولأنهـا جـاءت نكـرة دون ال التعريـف حيـث قـال: » يمكــث النــاس برهــة مــن دهرهــم«
ولـم يقـل يمكـث النـاس البرهـة مـن دهرهـم، فهـذا فيـه إشـارة إلـى أنهـا قـد تكـون غيـر مكتملـة
أي: قـد تكـون أقـل بقليـل مـن (40 )عامـاً
.
» ثم يعوذ آخر«
حـرف العطـف » ثـم« يوحـي أن بيـن العائذيـن فتـرة زمنيـة ليسـت بالقصيـرة, ولـم يكرر فـي عبـارة »
ثـم يعـوذ آخـر« كلمـة »العائـذ« الدالـة علـى الفاعـل فلـم يقـل ثـم يعـوذ عائـذ آخـر واكتفـى بعبـارة
» ثــم يعــوذ آخــر«
.
وهــذا يعنــي أن كلا العائذيــن يحمــلان دعــوى واحــدة ورســالة واحــدة متشــابه
ظاهريـاً واكتفـى بكلمـة » آخـر«
.
كمـا أنـه لـم يكـرر مـع فعـل العائـذ الأخـر شـبه الجملـة » بمكـة« فلـم يقـل » ثـم يعـوذ بمكـة آخـر«
وهـذا يعنـي أن العائـذ الأول الـذي عـاذ بمكـة قـد فعـل هـذا الأمـر دون هدايـة ربانيـة
ودون تـوكل علـى اللـه والإسـتعاذة بـه وحـده،
.
فهـو عـاذ بمكـة لا يقصـد بيـت اللـه الحـرام فـي قـرارة نفسـه، وإنمـا كان يقصد أن تكتمل معه
كل شـروط المعادلة، فقد كان يسـير حسـب نظرية القميص مسـبق الصنع.
.
لذلـك فـإن أسـلوب العائـذ الأول هـو أسـلوب بعيـد عـن الحكمـة والإسـتعاذة باللـه وحـده، وركـن إلـى الشـروط
والأسـباب الماديـة كحشـد الأعـوان وتجهيـز السـلاح ومحاولـة إجبـار الناس علـى التأييد.
.
أمـا العائـذ الآخـر فإنـه سـيعوذ قاصداً اللـه وحـده وبيتـه الحـرام الموجـود جغرافيـاً داخـل مكـة
ولا يقصـد موقـع مدينـة مكـة بذاتهـا لأنهـا مكـة ،
وهـو لـن يحمـل السـلاح ولـن يُجبـر أحداً ،
ولن يحشـدُ الأعـوان قبـل العـوذ بـل سـيبايع مكرهاً.
.
» فإن أدركته «
فـي هـذه العبـارة إشـارة لطيفـة إلـى أن الـذي يُخبرُ بهـذا الحديـث لـن يُدرك أمـر العائـذ الآخـر،
بـل وكذلـك مـن سـيليه مـن أجيـال، ولكـن لابـد أن هنالـك جيـلًا مـا ممـن سيُنقل لهـم هـذا الحديـث
هـم مـن سيشـهدون الحـدث ويدركونـه.
.
» فــلا تغزونــه «
إذا أدركــت أمــر العائــذ الثانــي, ستشــهد جيشــاً غازياً يريــد القضــاء علــى هــذا (الإرهابــي)،
وســيتم تجنيــد المســلمين وجعلهــم يلتحقــون بهــذا الجيــش عبــر مؤسســات النظــام الجبـري العسـكرية
وربمـا الإعـلام ومفتـي السـلطان،
.
وهنـا إشـارة إلـى أن الجيـش سـيأتي إلـى هـذا العائـذ مـن مـكان بعيـد وليـس مـن داخـل مكـة،
وسـيتم الإعـداد لهـذا الجيـش جيـداً مـن قبـل النظـام الجبـري.
.
لذلـك راوي الأثـر أو الحديـث يحـذرك أن تكـون مـن بينهـم لأن هـذا الجيـش هـو الجيـش
الـذي سيخسـف اللـه بـه الأرض.
.
» فإن أدركته فلا تغزونه فإنه جيش الخسف «
اســتخدام الضميــر المتصــل الهــاء ثــلاث مــرات فــي هــذه الجملــة هــو فــي قمــة البلاغــة
وجوامــع الكلــم وفصــل الخطــاب.
.
»فإن أدركته فلا تغزونه فإنه جيش الخسف«
الهاء الأولى في كلمة »أدركته« هي للزمن الذي ستتم فيه البيعة.
والهاء الثانية في كلمة »تغزونه« هي للعائذ.
والهاء الثالثة في كلمة »فإنه« هي لغزاة العائذ.
.
جزالـة وفصاحـة تشـع منهـا بصمـة مـن أوتـي جوامـع الكلـم،
أي: إن أدركـت زمـن بيعـة العائـذ الثانـي
فـلا تنضـم للجيـش الغـازي لذلـك العائـذ الثانـي فـإن الجيـش الغـازي هـو جيـش الخسـف.
لكن متى ندرك ذلك الزمن الذي ستحدث فيه بيعة العائذ الثاني ؟
.
بمعنى آخر: متى يمكن أن يُبايع المهدي تقريباً؟
الجـواب كمـا قلـت لكـم يكمـن فـي جملـة » يمكــث النــاس برهــة مــن دهرهــم«
ففيهـا رأس الخيـط لمعرفـة عـام الظهـور.
الحادثة الأولى حدثت عام 1979م.
الحادثــة الثانيــة ســتحدث عــام 1979م + برهــة مــن دهــر نفــس النــاس الذيــن
كانــوا أحيــاء وقــت الحادثــة الأولــى.
السر هو في الضمير المتصل بكلمة: دهرهم
.
البرهـة مـن دهـر النـاس - كمـا سـبق وشـرحنا - هـي فتـرة زمنيـة تعـادل جيـل
وتكـون برهـان علـى حصـول تغييـر حقيقـي فـي المجتمـع، هـذا هـو مفهـوم البرهـة مـن دهـر الإنسـان
أو دهـر النـاس عنـد النبـي صلـى اللـه عليـه وسـلم والأحاديـث الأخـرى التـي اسـتخدم فيهـا النبـي صلـى اللـه عليـه وسـلم
.
عبـارة برهـة مـن دهـره تبيـن هـذا المعنـى:
عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
» لا عليكم أن لا تعجبوا بأحد، حتى تنظروا بم يختم له، فإن العامل يعمل زمانا من عمره أو برهة من دهره
بعمل صالح لو مات عليه دخل الجنة، ثم يتحول فيعمل عملًا سيئاً ، وإن العبد ليعمل البرهة من دهره
بعمل سيئ لو مات عليه دخل النار، ثم يتحول فيعمل عملاً صالحاً ، وإذا أراد الله بعبد خيراً استعمله قبل موته،
قالوا: يا رسول الله وكيف يستعمله؟ قال: يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه.«
.
فنجـدُ هنا أنّ النبـي صلـى اللـه عليـه وسـلم ذكـر لفظـة البرهـة مـن الدهـر
كقطعـة طويلـة مـن عمـر الإنسـان يكـون فيهـا عملـه الـذي هـو مكلَّف بـه،
وهـذا يُقرب لنـا أكثـر مفهـوم لفظـة البرهـة عنـد النبـي صلـى اللـه عليـه وسـلم.
.
فســن التكليــف والعمــل يبــدأ بعــد البلــوغ والرشد، وســن الرشــد والبلــوغ يبــدأ
عــادة مــا بيــن عمر14سنة-18ســنة.
ومتوسط عمـر الإنسـان مـن أمـة محمـد صلـى اللـه عليـه وسـلم هـو (63) سـنة
وهـو عمـر النبـي عليـه الصـلاة والسـلام عندمـا حضرتـه الوفـاة.
.
لذلــك البرهــة مــن دهــر الإنســان فــي هــذا الحديــث تشــير إلــى مــدة زمنيــة تســاوي (63) ســنة
مطروحــاً منهــا (14) ســنة أو (18) ســنة.
أي فترة زمنية تتراوح ما بين (45) سنة – (49) سنة كحد أقصى؛
.
ولأنها جاءت نكرة دون ال التعريف حيث قال » يمكث الناس برهة من دهرهم« ولم يقل يمكث الناس البرهة من دهرهم،
فهذا قد يكون فيه إشارة إلى أنها قد تكون غير مكتملة أي قد تكون اقل بقليل من (49) عام
.
وهنـاك رأي آخـر هـام أيضـاً ومنطقـي كذلـك –وسـبق وعرضتـه- يقـول أن البرهـة مـن دهـر الإنسـان
هـي فتـرة زمنيـة قـد تعـادل جيـل والجيـل يعـدل (40) سـنة.
.
فاليهود بقوا في صحراء التيه (40)سنة حتى تغير الجيل القديم وظهر جيل جديد.
كمـا أن عمـر الرسـول عليـه الصـلاة والسـلام عنـد البعثـة كان (40) سـنة، وهـو قـد ولـد فـي عـام الفيـل
أي السـنة التـي هاجـم فيهـا أبرهـة الحبشـي البيـت الحـرام وحـاول اسـتحلال حرمتـه.
.
وهنـاك أحاديـث أخـرى – رغـم أنهـا ضعيفـة –
لكنهـا تذكـر أن عمـر المهـدي عنـد البيعـة سـيكون (40) سـنة
.
مثـل عمـر جـده صلـى اللـه عليـه وسـلم عنـد البعثـة.
وهـو قـد يكـون ولـد فـي سـنة (1979م) و اللـه أعلـم،
.
أي السـنة التـي تمـت فيهـا اسـتحلال الحـرم مـن قبـل أهلـه،
وتلـك السـنة أشـبهها فـي كثيـر مـن صفاتهـا بعـام الفيـل....
.
كمـا أن العالـم كلـه شـهد فـي سـنة (1979م) أحداثـا مفصليـة هامـة جـداً
غيـرت مجـرى التاريـخ وكلهـا لهـا علاقـة بشـكل
أو بآخـر ببيعـة المهـدي وكأن اللـه يمهـد سـاحة العالـم لهـذا الحـدث...
.
.
نتابع...إن شاء الله.