بقلم الدكتور : صادق بن محمد البيضاني
ـ مدخل الدراسة ـ
دفعني لكتابة هذا السلسلة العلمية الحديثية أشخاص لا صلة لهم بالعلم الشرعي بيد أنهم يخوضون في الخليفة القحطاني الذي يخرج آخر الزمان بعد المهدي، ويقولون بأن زمانه قد أطل أو اقترب وأنه سيخرج قبل المهدي محتجين بما تهواه نفوسهم وتستقيه عقولهم من كل حديث أو أثر يقفون عليه يوافق أهواءهم، ولو كان ضعيفاً أو موضوعاً ويضيفون له أشياء أخرى يسمونها أدلة، وليست بأدلة في الشرع المنزه كاحتجاجهم بما يقفون عليه من نصوص بعض الكتب المحرفة كالتوراة والانجيل والصحف والإسرائيليات المختلفة، وما يقرؤونه من تواريخ وأخبار وآثار ما قبل الاسلام من تاريخ العرب والبوذية والحميرية والسبئية والأشورية ونحوها من الدول قبل الاسلام، وما يسوقه المتكلمون والفلاسفة مما هو من تاريخ فارس والبربر والروم ونحوها من العصور الغابرة، بل ويستدلون ببعض الوقائع والأحداث السياسية المعاصرة ، وهذا الصنف يقحمون أنفسهم في ما لا يحسنون، وما لا يجوز لهم شرعاً لأنهم يتكلمون بغير علم وقد نهى الشرع عن ذلك، ويخوضون في فنٍ ليسوا من اختصاصه، ومن المعلوم أن "من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب".
وهناك صنف آخرُ مثقف، يجمعُ كل ما ورد من الأحاديث الصحيحة والضعيفة والموضوعة وكذا الآثار وأقوال العلماء الراجحة والمرجوحة في القحطاني وصفاته وزمانه، ثم يفصل فيها كلها ويستنتج ويرجح معتمداً على كل ما ورد فيه سواء كان صحيحاً أو وضعيفاً، بل ويقول هذا صحيح وهذا ضعيف فيقع في الغلط، إذ قد يرجح بناء على حديث ضعيف أو موضوع، وإن كان هذا الصنف خيراً من السابق لكن النتيجة غير سليمة المخرج، لكونه ليس متخصصاً في علم تخريج الحديث النبوي وفقاً لأصوله وقواعده في الحكم على الأحاديث صحةً وضعفاً.
ولذا يلزم الباحث ألا يخوض في القحطاني والمهدي ونحوها من الأمور الغيبية بالترجيح والافتاء حتى يتقن دراسة الحديث النبوي ويحسن الحكم على الأحاديث والآثار بالصحة والضعف لكي يخرج بنتيجة سليمة وفقاً لهذا العلم الشريف وقواعده، فحياة المهدي والقحطاني وعلامات الساعة متعلقة بدراسة علم الحديث الذي به نحكم ونفرق بين الحديث الصحيح والضعيف والموضوع.
فشخص لم يدرس هذا العلم العظيم ولا علله ولا رجاله ولا شهد له علماء الحديث بذلك، وجب عليه ألا يخوض في ذلك البتة حتى لا يقع في الأخطاء الجسام فيضل ويضل غيره بسبب بحثه أو كلامه غير الموافق للسنة الصحيحة، والتي من نتائج هذه الأخطاء أن بعضهم كان يقول : بأن أسامة بن لادن هو القحطاني فلما قُتل أسامة انفضح في كونه متعالماً يتكلم في غير فنه، كما انفضح مدعي المهدية ناصر القردعي عندما قال بأن الله أوحى إليه بأن أسامة بن لادن سيكون من أتباعه، فلما قُتل أسامة بن لادن عَلِمَ العقلاء بأن ناصر القردعي اليماني دجال من الدجاجلة.
وهناك شخص جاهل متعجل يقول: "وسيكون ظهور اليماني في زمان مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن جمال بن عمر "وقصد باليماني حسب عقيدته المهدي القحطاني لأن من جهله قوله: "إن القحطاني هو المهدي"، فدخل جمال بن عمر اليمن وخرج منها ولم يظهر المهدي القحطاني الذي يعتقده شيطانه، فتبين للعقلاء أيضاً أنه دجال ومتعالم ويتكلم عن أمور غيبية بجهل محض.
ومن العجب العجاب أن يقول أمثال هؤلاء الذين لا يفقهون علم الحديث وقواعده عن الحديث أو الأثر الضعيف أو الموضوع بأنه يُستأنس به، وهذا من الجهل، فهل ما يُستأنس به يكون حجةً وصحيحاً؟ الجواب: لا، ولم يقل به أحد سوى هؤلاء الجهلة، إنما قال الإمام أحمد بن حنبل: "إن ضعيف الحديث أحبّ إليّ من رأي الرجال"، ولم يقل بأنه حجة، وأيضاً إنما قال ذلك في الأحكام الفقهية التفصيلية من باب المفاضلة لا الحجج، وأيضاً ليس في المغيبات التي ستكون آخر الزمان، لأن المغيبات لا يؤخذ بها إلا بدليل صحيح لأنها من أمور العقيدة، لا الأحكام العملية الفقهية التفصيلية، فلا يُطلق الاستئناس في باب المغيبات، ثم لو فرضنا أطلقه شخص من أهل العلم فلا يدل على صحة نسبته إلى النصوص الحديثة، أو أنه صحيح، فليتنبه لذلك، فالقضية شرعية.
لذا أحب من خلال هذا الحلقات أن أصحح لإخواني المسلمين هذه القضية المتعلقة بالخليفة القحطاني وزمان خروجه على ضوء السنة الصحيحة، محذراً الشباب من أدعياء المهدية وممن يدندن حول خروج القحطاني بجهل أن يغتروا بهذا الصنف أو ذاك وألا يغتروا بمن يقول لهم نحن في زمن القحطاني أو المهدي، والحذر الحذر أن يتكلوا وينتظروا خروج المهدي والقحطاني، فقد فُتن اليوم بعض العوام والمثقفين، وصاروا قاعدين تاركين أعمالهم، حيث ترك بعضهم وظيفته وتجارته منتظراً خروج المهدي لأجل يقضي عنه دينه وينخرط في صفه ليكون جندياً من جنوده، وهذا من أعجب العجاب، فإن المهدي إذا ظهر أو القحطاني سيكون خليفة راشد وسيبقى الناس في أشغالهم وتجاراتهم وصناعتاهم ونحوها، ولا يلزم أن يكون كل المسلمين من جنود الإمام المهدي أو الملك القحطاني، فهذا شيء لن يكون ولم يأمر به الشرع، بل الاسلام منع من التوكل على أي إنسان سواء كان مهدياً أو غير مهدي، ودعا المسلمين للعمل الجاد وطلب الرزق الحلال حتى في آخر الزمان، فقد أخرج البخاري في الأدب المفرد وأحمد في المسند وغيرهما والحديث صحيح عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها "، والفسيلة هي: غرسة الشجر.
ومن المعلوم أن هذا الحديث يدعو للعمل وطلب الرزق الحلال وعدم التوكل على الآخرين، رغم أن قيام الساعة سيكون بعد المهدي والقحطاني بسنين لا يعلم عددها إلا الله، وبعد انقضاء كل علامات الساعة الكبرى، ولا تقوم الساعة إلا على "الكفار" غير المؤمنين لما أخرجه مسلم في صحيحه عن النواس بن سمعان قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال... إلى قوله: "فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحا طيبة فتأخذهم تحت آباطهم فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم، ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة"، فدل حديث انس على عدم التوكل على ظهور المهدي أو غيره، ووجوب السعي في طلب الرزق حتى العجز بمرض أو موت.
أكتفي بهذه المقدمة، على أن نلتقي في لقاء الغد بإذن الله، مع موضوع جديد من هذه الحلقات، بعنوان: "تخريج الأحاديث الصحيحة والضعيفة في الخليفة القحطاني".
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.