نظرات فى كتاب التحفة الرفاعية
الكتاب هو رسالة من جد إلى حفيده والجد هو أحمد الرفاعي وأما الحفيد إبراهيم الأعزب والرسالة طلب فيها الجد من الحفيد حفظها والعمل بها ونشرها بين الناس كى يسعد فى دنياه وأخرته فقال :
"بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، من عبد الله الفقير إلى الله أحمد ابن أبي الحسن علي الرفاعي الحسيني غفر الله له ولوالديه وللمسلمين، إلى سبطه ولده أبي إسحق إبراهيم الأعزب فتح الله له أبواب القبول والتوفيق آمين.
أستدر لك فيض الوهب المطلق، وأستمطر لك سماء الكرم الأعم المحقق، وأسأل الله تعالى لي ولك وللمسلمين حسن البداية والخاتمة، بداية المخلصين وخاتمة الناجين، وأتحفك أي ولدي تحفة سنية تصلح بها إن شاء الله أمر دينك ودنياك، وتكفى بعدتها شر من عاداك وتندرج ببركتها في سلك الخاصة أهل المخدع، الذين ارتفعوا عن مخالطة عامة الطائفة سلام الله عليهم فانتهض لحفظ هذه التحفة، واعرف قدرها ولا تكتمها عن إخوانك واعمل بها تنجح وتسعد وتربح وتؤيد، والله الموفق والمعين."
وأول الرسالة هى نهى الجد حفيده عن العمل بهواه وأمره بمتابعة النبى(ص) فى القول والفعل :
"أي إبراهيم لا تعمل بالهوى وعليك بمتابعة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في الأقوال والأفعال فإن كل طريقة خالفت الشريعة زندقة.
أي إبراهيم الفت وجهة قلبك عن غير ربك فإن الأغيار لا يضرون ولا ينفعون وقل (إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين) "
والخطأ هو الأمر بمتابعة النبى(ص) فى القول والفعل وهذه المتابعة تخالف كتاب الله فى أن الله ذكر فعل النبى(ص) لبعض الذنوب فهل يفعل الفرد نفس الذنوب ؟
قطعا كلا لأن المطلوب هو اتباع الهدى المنزل على رسوله كما قال تعالى :
"فبهداهم اقتده"
فالمطلوب من المسلم اتباع الوحى المنزل كما قال تعالى :
" اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم"
وأما متابعة أعمال النبى(ص) فالمطلوب فيها التأسى بالحسنات كما قال تعالى :
" لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة"
فمثلا ليس مطلوبا أن يتأسى بالنبى(ص) فى عبوسه فى وجه ألأعمى فيتجهم فى وجوه العميان كمما قال تعالى :
" عبس وتولى ان جاءه الأعمى"
كما أنه ليس مطلوبا منه أن يتأسى بالنبى فى قوله أنه رسوب الله لأن الفرد ليس رسول من الله فمع أن القول فى حكم النبى(ص) مباح له فهو فى حث الفرد كذب على الله وافتراء عليه
ومثلا ليس مطلوبا من الفرد أن يتأسى بالنبى(ص) فى زواجه من أكثر من أربع لأنه فى حق النبى (ص) كان مباحا بينما هو فى حق المسلم حرام
من أجل هذا الأفضل هو اتباع الوحى المنزل وليس أفعال الرسول(ص) لأنها منها ما هو ذنوب ومنها ما هو حرام على الأفراد
وحدث الجد حفيده عن نعم الله وطالبه ألا يسقط التكليف فقال :
"وحسبك من النعم الإيمان ومن العطايا العافية، ومن التحف العقل، ومن الإلهام التقوى وفي الكل (ليس لك من الأمر شيء إن ربي على ما يشاء قدير).
لا تسقط بالتسليم جملة التكليف، ولا تنزع بالتكليف ثوب التسليم، ولا تركن إلى الذين ظلموا (ولا تقف ما ليس لك به علم) ولا تهرع في مهمات أمورك إلا إلى الله تعالى"
وكرر الجد نفس الخطأ السابق يكون محمد(ص) هو أشرف الوسائل فقال :
"وابتغ الوسيلة إليه بعد التقوى: أشرف الوسائل حبيبه عليه أفضل الصلاة والسلام"
والحقيقة أن محمد(ص) أو غيره من الرسل أو الأفراد ليسوا وسائل وإنما الوسيلة شىء واحد وهى طاعة أحكام الله
ونصحه نصائح عدة فقال :
" وخذ الدعاء درعا والاعتماد على الله حصنا، واتبع ولا تبتدع، وروح قلبك بالحسن من المباحات القولية والفعلية، والزم الأدب مع الله، وخالق الناس بخلق حسن، ولا تقطع حبلك برؤية نفسك فإن من رأى نفسه شيئا ليس على شيء"
وناقض نفسه حيث نهاه عن الانحراف عن مقام العبودية ثم بين له أن مقام العبدية أفضل منه فقال :
"ولا تنحرف عن مقام العبودية فإن بعده مقام العبدية أجل المقامات"
وهو تناقض لأن الالتزام بعدم الانحراف عن العبودية لن يجعله يذهب إلى المقام الأعلى المزعوم وهو العبدية
ثم شرح له أن العبدية غير المحبوبية فقال :
"قال قوم بعلو مقام المحبوبية عليه وما عرفوه أنه هو لا غيره، وظنوا أن مقام المحبوبية مقام أهل التدلل والقول والدعوى العريضة والترفع والتعزز، واستدلوا بهذه الأوصاف، كلا لو كان ذلك لاتصف بمثل تلك الأوصاف عبد الله رسولنا محمد سيد المحبوبين عليه الصلاة والسلام، بلى إن مقام المحبوبية مقام أهل التذلل الذين تحققوا بسر قوله عليه الصلاة والسلام (أفلا أكون عبدا شكورا)، فعرفوا عظمة السيد القادر العظيم (الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) ووقفوا على طريق الأدب، إن أحسن إليهم شكروه بإحسان العبودية، وإن امتحنهم صبروا وانقطعوا عن الأغيار إليه بخالص العبدية (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده)."
وكل هذا الكلام ليس موجودا فى كتاب الله فالمقامات عند الله مقامين ألأول مقام المجاهدين فى سبيل الله بأموالهم وأنفسهم والمقام الثانى هو مقام القاعدين عن الجهاد كما قال تعالى :
" فضل الله المجاهدين بأموالهم وانفسهم على القاعدين درجة"
ثم أعلن الجد للحفيد عن الفتح الذى لا يعرف سلاه إلا من محمد(ص) فقال :
"أي إبراهيم خذ مني هذه التحفة الجامعة بين الشكر والانقطاع إلى الله تعالى، واعلم أن الفتح ميزاب ماؤه هاطل لا ينقطع أبدا، ولا واسطة لأخذه من مقره والوقوف على سره إلا نبيك سيدنا وسيد العالمين عليه أكمل الصلوات والتسليمات."
وبالقطع محمد(ص) مات فكيف يعرف السر من ميت لو كان الرفاعى صادقا فى كلامه عن الفتح المزعوم؟
والخطأ أيضا وصغ محمد(ص) بسيد العالمين فالرجل يصفه بصفة الله وهو يفرق بينه وبين الرسل(ص) مخالفا قول المسلمين فى كتابه الله :
"لا نفرق بين أحد من رسله"
وتحدث معه عن عبادة لم ينزل الله بها سلطانا وهى الخلوة فقال :
"أي إبراهيم إذا لازمت الباب بهذه التحفة أتقنت طريقي الشكر والالتجاء، ولكلا الشأنين سر لا يتم شأنه إلا للمخلص (ألا لله الدين الخالص).
فإذا حفتك عوارف النعم فوق ما أنت فيه فلا تطغ فتشتغل بالنعمة عن المنعم، بل ذلل النفس وتململ على الباب، وقف في خلوة الأدب على بساط الشكر بصحة التمكن والتخلي عن شوائب لذة النعمة، متلذذا بإنعام المنعم أن وجه إليك نعمته بلا حول منك ولا قوة ولا قدر ولا استحقاق، وصل لله تعالى ركعتين شكرا، وباشر قراءة هذه التحفة المباركة فإني لا أشك بأن النعم تزيد لك بشكرك، بشاهد قوله تعالى (لئن شكرتم لأزيدنكم)، وتصير بإذن الله موقرا مهابا محبوبا مجابا، نافذ الكلمة محفوظ الحرمة إن شاء الله، وإذا طرقك طارق البلاء فقف في خلوة الانكسار، على بساط الاضطرار، سالكا سبيل الاعتذار، متدرعا درع الافتقار، متوكئا على عصا الاستغفار، متمكنا في مشهد التوكل عليه تعالى تمكن القوم الذين يؤمنون به، ويشهدون الكل بخلقه، ولا ينقطعون عنه، (أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون).
وباشر بعد هذا التجرد قراءة هذه التحفة فإني لا أشك أن الله يدفع عنك البلاء والمحن، ويصرف عنك المصائب والإحن، ويكفيك هم النازلات ويرد عنك سهام الحادثات، وينتصر لك لتوكلك عليه حتى لا تحتاج إلى نصرة نفسك بشاهد قوله تعالى (ومن يتوكل على الله فهو حسبه)."
وهذا الكلام هو كلام من يطالب حفيده بترك كتاب الله إلى العمل برسالته التحفة وهو ما يطلبه الكفار من اتباع بشر مثلهم وكلامهم بدلا من اتباع الله كما قال :
" اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم"
وتحدث عن الابتلاء بالنعم والنقم فقال :
"واعلم أي إبراهيم أن من النعمة ابتلاء، ومن النقمة ابتلاء وكلاهما ينزل بالأحباب والأعداء وهما من الله تعالى، فإن أنعم على عبده وأهمل قدر النعمة بالغفلة عنه والالتفات إلى الأسباب وصرف النعمة لغير ما شرطت له فتلك ابتلاء ليتصرف به الرب بحكمته كما يريد لا كما يريد العبد. وإن وجه نقمة على عبده فخشع لها وخضع وصبر واضطر وذل واعتذر، وتنبه وتاب وآب، فتلك النقمة ابتلاء ليتصرف به الرب بحكمته كما يرضى تعالى لا كما يرضى العبد. وظاهر التصرفين التأديب بتقليل النعمة، كي يضطر العبد بطبعه إلى الرجوع إلى ربه غاضا طرفه عن الأغيار عالما بعجزها ومقهوريتها تحت أحكام القضاء والقدر في كل حال. فإذا انكشف له هذا الحجاب، وتحقق ما تضمنه الكتاب، أفاض عليه بره وإحسانه وجوده وامتنانه، وكفاه وصمة الاحتياج بالكلية، هذا في الأول، وأما في التصرف الثاني فهو الإرشاد بوارد المحنة والنقمة وتقريبه إليه من طريق جلاله في كنف جماله، فحينئذ تنقشع عنه ظلمة الأكدار وترد عليه عوارف الكرم فيلذ لها قلبه، ويطيب لها لبه، وتنعش لها روحه، ويعظم بها فتوحه (إن الله بصير بالعباد).
فخذ الأدب في الحالين ذريعة، والرضا حصنا، والالتجاء درعا (وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيرا).
والحمد لله رب العالمين"
وهذا الكلام هو من ضمن الخبل فلا وجود لانكشاف الحجاب ولا لعوارف الكرم فوسيلة تحصيل العلم والوصول إلى رضا الله طاعته وليس أى كلام أخر حتى ولو صدر من الرفاعى أو غيره