إننا للأسف أثناء تنشئتنا تقوم نفوسنا الناشئة بالخلط بين الله و بين السلطة الأبوية ؛ لعدم قدرتنا على استيعاب الحقائق المجاوزة لعمرنا من الغيبيات ، فيضع المخُ اللهَ و الدينَ و الغيبياتَ في سلتين:
(1)سلة السلطة الأبوية ، فالله هو من يضع الأوامر كأبي و يعاقب و يُثيب ، فعقوبته أبوية ، أما مثوبته فمتعلقة بتصورنا عن الأمومة.
(2) و الغيبيات تصب في سلة الفانتازيا ، فالملائكة كجنيات الكارتون ، و الجنة كتصورات ديزني ، و لا بأس بهذا فتلك عقول الأطفال ، و هي تنضج مع الوقت.
لكن المشكلة تحدث إذا حدث خللٌ ما في علاقة الطفل بأبويه ، فالأب المنتقد مثلاً يؤدي الخلط بينه و بين نموذج الله إلى نشوء ضمير ديني جلّاد ، و صوتٍ خلفيّ دائم الصفع عند كل فعل.
و الأب الجافي-بسبب ذلك الخلط-يشوه أيضاً صورة الله المتعلقة بالسلطة الأبوية لدى المراهق و البالغ فيما بعد ، فيشعر دوماً أن الأرض محروقة بينه و بين ربه ، لا سبيل للوصول إليه ، و لا إمكان له في القرب.
يشعر دوماً أنه منبوذٌ من السماء محرومٌ من إيلاف الرب.
كما أن خطايا الآباء المتدينين الذين يحاولون تربية أولادهم على الدين تختلط في عقول الأطفال بينها و بين الدين نفسه ، و ربما بين وجه أبيه البغيض و بين وجه الله ، فلا نعود نعرف حينها الفرق بين غضبنا من الدين و بين غضبنا من المتدينين ، و هل كانت مشكلتنا مع الدين في أصوله أم في المنابع التي استقيناها منه؟
-كما أنه في مرحلة التمرد (كالمراهقة أو أزمات الهوية) يتمرد الناشئ منا على تلك السلطة الأبوية ، و يحاول التحرر من نموذج الأب ، و لأننا ربما لا ندرك الخلط الحادث في الطفولة ، فقد ينتهي بنا الأمر أن نضع صورة الله في سلة المتروكات ، فنبتعد حانقين و لا نعود إلا حين نجد الله بأنفسنا ، لا عبر توصيات الأب و الأم.
الحقيقة أنه لا أحد يصل لله بتربية أبويه ؛ بل على كلٍ منا أن يجد الله بنفسه و يصل لصيغته الشخصية من الدين أو الروحانية و معادلته الخاصة الملائمة لنفسه.
و إن كثيراً من المتعثرين في علاقتهم مع الله ربما ينتج هذا التعثر في حقيقته بسبب مشكلات في ارتباطهم بالوالدين ، حدث جراءها تحويل انفعالي لغضبهم و تمردهم على السلطة الأبوية إلى نموذج الله و الدين ، فلا عجب أن كثيراً من الملحدين يكبرون تحت آباء ملتزمين و لكنهم أغبياء بما يكفي ليقصوهم عن طريق الله.
-كتاب أبي الذي أكره.