علامات الساعة الصغرى
إمارة السفهاء وكثرة القراء وقلة العلماء
منقول
13- إمارة السفهاء:
من المعلوم أن صلاح الأمة يكون بصلاح أمرائهم، وفساد الأمة يكون بفساد أمرائهم.
وكان الليث بن سعد رضي الله عنه يقول:
"من رأس العين يأتي الكدر، وإذا صفا رأس العين صفت السواقي".
وكتب الحسن البصري رضي الله عنه إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه فقال له في وصف الأمير العادل:
"الإمام العادل يا أمير المؤمنين كالقلب بين الجوارح، تصلح الجوارح بصلاحه، وتفسد بفساده".
وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيأتي على الناس زمانٌ يتولَّى عليهم فيه السفهاء الذين لا يهتدون بهدي النبي صلى الله عليه وسلم ولا يستنُّون بسنته.
فقد أخرج الإمام أحمد والبزار عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لكعب بن عجرة رضي الله عنه: "أعاذك الله يا كعب من إمارة السفهاء[1] قال: ما إمارة السفهاء يا رسول الله؟ قال: أمراء يكونون بعدي لا يهتدون بهديي، ولا يستنُّون بسُنَّتِي، فمَن صَدَّقَهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم؛ فأولئك ليسوا مني ولست منهم، ولا يردون على حوضي، ومن لم يُصَدِّقْهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم؛ فأولئك مني وأنا منهم ويردون على حوضي. يا كعب بن عجرة: الصومُ جُنَّة، والصدقة تطفئ الخطيئة، والصلاة قربان - أو قال: برهان - يا كعب بن عجرة: الناس غاديان فمبتاع نفسه فمعتقها، وبائع نفسه فموبقها"
وهذه العلامة: (إمارة السفهاء) هي نتيجة طبيعية للعلامة السابقة عندما يُوَسَّد الأمر إلى غير أهله، وتنعكس الأحوال وتنقلب الموازين؛ حيث يصدق الكاذب، ويكذب الصادق، ويؤتمن الخائن، ويُخوَّن الأمين، ويتكلم الجاهل، ويسكت العالم، فلا عجب أن ترى الذي يقود الأمة ويمسك بزمامها هم السفهاء.
كما جاء في الحديث الذي أخرجه الطبراني بسند فيه مقال:
"لا تقوم الساعة حتى يسود كل قبيلة منافقوها".
والمنافقون كما هو معلوم قليلو الإيمان عديمو الخشية كثيرو الكذب، لكن ومع الأسف يكونون هم سادة القوم ورؤساؤهم.
وصدق النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: "إن من أشراط الساعة أن يوضع الأخيار ويرفع الأشرار"
(أخرجه الحاكم من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنه).
وعند الطبراني من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"من اقتراب الساعة أن تُرفع الأشرار، ويُوضع الأخيار، ويَقْبُح القول، ويَحْزُن العمل، وتتلى في القوم المثناة. قلت: وما المثناة؟ قال: ما كتب سوي كتاب الله".
وذكره في "مجمع الزوائد" بلفظ: "ويحسن العمل، وتُفرى في القوم المساءة. قلت: وما المساءة؟ قال: ما كتب سوى كتاب الله".
وما أكثر الكتب والصحف والإذاعات ووسائل المعلومات المضللة اليوم.
14- ظهور أعوان الحكام الظلمة الذين يجلدون ويضربون الناس:
يكثر الظلم في آخر الزمان حتى إن الرجال الذين يوكل إليهم القيام على الأمن وردع الظالمين يفسدون، فإذا بهم يتحَوَّلون إلى ظلمة، يجلدون ظهور العباد بسياطهم، وهذا كثير مُشَاهَد في ديار الإسلام اليوم.
فقد أخرج الإمام أحمد والحاكم والطبراني في "الكبير" بإسناد صحيح عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يكون في آخر الزمان - وعند الحاكم بلفظ: يخرج في هذه الأمة في آخر الزمان - رجالٌ معهم سياط كأنها أذناب البقر، يغدون في سخط الله، ويروحون في غضبه" (السلسلة الصحيحة: 1893 ).
وأخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"إن طالت بك مدة أوشكت أن ترى قوماً، يغدون في سخط الله، ويروحون في لعنته، في أيديهم مثل أذناب البقر".
أخرج الإمام مسلم عن عبدالله بن رافع - مولى أم سلمة - قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"يوشك إن طالت بك مدة أن ترى قوماً في أيديهم مثل أذناب البقر، يغدون في غضب الله، ويروحون في سخط الله".
وهذه الأحاديث وإن لم يكن فيها التصريح بأنهم يضربون الناس؛ إلا أن وصفهم بالسخط واللعنة يشير إلى كثرة ظلمهم واعتدائهم على الناس، بل صرح النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث آخر أنهم يضربون الناس.
فقد أخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا".
قال النووي رضي الله عنه كما في "شرح مسلم" (17/190):
وهذا الحديث من معجزات النُّبُوَّة، فقد وقع ما أخبر به رضي الله عنه، فأما أصحاب السياط فهم غلمان والي الشرطة.
وقد جاء في بعض الأحاديث صراحةً أنهم هم الشرطة:ففي الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد والطبراني في "الكبير" عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "سيكون في آخر الزمان شرطة يغدون في غضب الله، ويروحون في سخط الله، فإياك أن تكون من بطانتهم" (الصحيحة: 1813)، (صحيح الجامع: 3666).
15- أن يتكلَّم السفيه في أمر العامة:
فعندما تتغير الأحوال وتتبدل المفاهيم وتنقلب الموازين، تجد أن الذي يتكلَّم في أمور العامة وقضاياهم هو الرجل الفاسق السفيه.
• أخرج الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"قبل الساعة سنوات خدَّاعات، يُكَذَّب فيها الصادق، ويُصَدَّق فيها الكاذب، ويُخوَّن فيها الأمين، ويُؤْتَمن فيها الخائن، وينطقُ فيها الرُّوَيْبِضَة [2]".
• وفي رواية أخرى عند أحمد أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إنها ستأتي على الناس سنوات خدَّاعة، يُصَدَّق فيها الكاذب، ويُكَذَّب فيها الصادق، ويُؤْتَمن فيها الخائن، ويُخوَّن فيها الأمين، وينطقُ فيها الرويبضة، قيل: وما الرُّوَيْبِضَة؟ قال: السفيه يتكلَّم في أمر العامة".
• وأخرج الإمام أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن أمام الدَّجَّال سنين خدَّاعة، يُكَذَّب فيها الصادق، ويُصَدَّق فيها الكاذب، ويُخوَّن فيها الأمين، ويُؤْتَمن فيها الخائن، ويتكلم فيها الرُّوَيْبِضَة، قيل: وما الرُّوَيْبِضَة؟ قال الفُويسق يتكلم في أمر العامة".
• وأخرج الإمام أحمد وابن ماجه والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"سيأتي على الناس سنوات خدَّاعات، يُصَدَّق فيها الكاذب، ويُكَذَّب فيها الصادق، ويُؤْتَمن فيها الخائن، ويُخوَّن فيها الأمين، وينطقُ فيها الرُّوَيْبِضَة، قيل: وما الرُّوَيْبِضَة؟ قال: الرجل التافه يتكلَّم في أمر العامة" (صحيح الجامع: 3650)، (السلسلة الصحيحة: 1888).
وهذا ما رأيناه في هذه الأيام، حيث ذهب الفاسقون من الممثلين والممثلات يتكلَّمون باسم الدين، ويذهبون هنا وهناك للكلام في قضايا الناس، ومَن تكلَّم في غير فنه أتى بالعجائب.
16- ارتفاع الأراذل والسفهاء:
أخرج الإمام أحمد والترمذي عن حذيفة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لُكَع بن لُكَع" (صحيح الجامع:7431).
وفي "لسان العرب": أن اللكع: هو "العبد أو اللئيم"، وقيل: الوسخُ، وقيل: الأحمق الجاهل، وقيل: هو ضيق الصدر، قليل الغناء، الذي يؤخره الرجال عن أمورهم، فلا يكون له موقع، ويقال للرجل: "لكع"، وللمرأة: "لكاع"
وأخرج الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لا تذهب الدنيا حتى تكون للُكَع بن لُكَعٍ".
وأخرج الطبراني في "الأوسط" عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من أشراط الساعة أن يغلب على الدنيا لُكَع بن لُكَع، فخير الناس يومئذ مؤمن بين كريمين".
ورواه الطحاوي في "مشكل الآثار" بلفظ:
"يوشك أن يغلب على الدنيا لكع بن لكع، وافضل الناس مؤمن بين كريمين" (الصحيحة: 1505 ).
وأخرج الطبراني في "الأوسط" عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"لا تذهب الأيام والليالي حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لُكَع بن لُكَع".
17- هلاك الوعول وظهور التحوت:
وقد ظهرت هذه العلامة ولا تزال تتتابع، حيث يموت العلماء والعقلاء والحكماء، ولم يبقَ إلا حثالة من الناس يُرْفَعُون على الأعناق، ويشار لهم بالبنان، وتتسلَّط عليهم الأضواء، ويتكلمون في أمور العامة، وهذا من علامات الساعة.
فقد أخرج الحاكم في "المستدرك" أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"والذي نفس محمد بيده، لا تقوم الساعة حتي... وذكر منها: "ويهلك الوعول، ويظهر التحوت، فقالوا: يا رسول الله، وما الوعول وما التحوت؟ قال: الوعول وجوه الناس وأشرافهم، والتحوت الذين كانوا تحت أقدام الناس لا يعلم بهم".
18- الخضاب بالسواد (تشبُّب الشيخ):
وهذه علامة بيّن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها ستقع في آخر الزمان، وقد كان ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - ووقع على الوجه الذي أخبر به رضي الله عنه.
فقد أخرج أبو داود والنسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"يكون قوم يخضبون[3] في آخر الزمان بالسواد كحواصل الحمام [4] لا يريحون رائحة الجنة".
(صحيح الجامع: 8153).
وينطبق هذا الحديث على الذي يحلق عوارضه، ويدع ما على ذقنه من الشعر، ثم يصبغه بالسواد؛ فيغدوا كحواصل الحمام.
قال الإمام النووي رضي الله عنه كما في "شرح مسلم" (14/80):
"يحرم خضابه بالسواد على الأصح، وقيل: يكره كراهية تنزيه، والمختار التحريم؛ لقوله رضي الله عنه:
"واجتنبوا السواد".
قال ابن الجوزي رضي الله عنه كما في "كتابه الموضوعات"(3/55):
"يحتمل أن يكون المعنى لا يريحون رائحة الجنة لفعل يصدر منهم، أو اعتقاد لا لعلة الخضاب.
تنبيه:
مسألة الخضاب بالسواد من المسائل الخلافية بين أهل العلم، فمنهم من قال بتحريم الخضاب بالسواد، ومنهم من يقول بالكراهية فقط، ومنهم من يقول بالجواز بلا كراهية، ولكل قول من هذه الأقوال قوته وأدلته، ومَن أراد الاطِّلاع على أدلة كل فريق والراجح منها؛ فليراجع كتاب "مفاتيح الفقه" للشيخ مصطفي العدوي - حفظه الله -.
19- كثرة النساء وقلة الرجال:
ومن علامات الساعة كثرة النساء آخر الزمان وقلة الرجال.
أخرج البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
"لأحدثكم حديثاً لا يحدثكم أحدٌ بعدي، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول" من أشراط الساعة: أن يقلَّ العلمُ، ويظهر الجهلُ، ويظهر الزنا، وتكثر النساءُ، ويقل الرجال، حتى يكون لخمسين امرأةٍ القيِّم الواحد [5]".
وفي رواية أخرى: "لا تقوم الساعة - أو قال: إن من أشراط الساعة: أن يُرفَعَ العلمُ، ويظهر الجهلُ، ويُشْرَب الخمرُ، ويفشو الزنا، ويذهب الرجال، ويبقى النساءُ، حتى يكون لخمسين امرأة قيِّم[6] واحد". - وفي رواية: "يظهر الزنا، ويقل الرجال، ويكثر النساء".
أخرج البخاري ومسلم عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"ليأتينَّ على الناس زمانٌ يطوف الرجل فيه بالصدقة من الذهب، ثم لا يجد أحداً يأخذها منه، ويُرَى الرجل الواحد يتبعه أربعون امرأة يَلُذْنَ به من قلة الرجال وكثرة النساء".
وقال أهل العلم: "إن سبب زيادة النساء على الرجال قد ترجع إلى أمور منها:-
1- أن يكون ذلك بسبب كثرة الفتن والحروب، فيقتل الرجال، ويكثر عدد النساء.
وقيل: إنه يكون لكثرة الفتوح فتكثر السبايا.
وقيل: إن الله يقِّدر في آخر الزمان أن يقل عدد المواليد من الذكور، ويكثر من يولد من الإناث، والمتأمِّل في نسب الولادة بين الذكور والإناث يعلم صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا الأخير هو الذي رجَّحه الحافظ ابن حجر، فقد قال كما في "فتح الباري" (1/133): "والظاهر أنها علامة محضة لا لسبب آخر، بل يُقدِّر الله في آخر الزمان أن يقل مَن يولد من الذكور، ويكثر من يولد من الإناث. هذا والله أعلى وأعلم.
20- كثرة الروم وقلة العرب:
الروم هم مَن يُطْلَق عليهم اليوم الأوروبيون والأمريكان، وسمو بالروم نسبة إلى الأصفر بن الروم بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم، ولهذا يطلق عليهم بنو الأصفر. (التذكرة للقرطبي: 2/689).
وقد بيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن من علامات الساعة أن يكثر الروم في آخر الزمان ويقل العرب.
فقد أخرج الإمام مسلم عن المستورد بن شداد أنه قال لعمرو بن العاص رضي الله عنه:
"تقوم الساعة والروم أكثر الناس، فقال له عمرو بن العاص: أَبْصِر ما تقول؟ قال: أقول لك ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمرو بن العاص: إن تكن قلت ذاك إن فيهم لخصالاً أربعاً: إنهم لأسرع الناس كرَّة بعد فرَّة[7]، وإنهم لخير الناس لمسكين وفقير وضعيف، وإنهم لأحلم الناس بعد فتنة، والرابعة حسنة جميلة، وأنهم لأمنع الناس من ظلم الملوك".
وفي رواية أخرى عند مسلم: "أن المستورد بن شداد قال لعمرو بن العاص رضي الله عنه: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تقوم الساعة والروم أكثر الناس، فقال له عمرو: أبْصِر ما تقول! قال: أقول ما سمعتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: لئن قلتَ ذلك: إن فيهم لخصالاً أربعاً، إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقةً بعد مصيبة، وأوشكهم كرَّة بعد فرَّة، وخيرهم لمسكين ويتيمٍ وضعيفٍ، وخامسة حسنة جميلة: وأمنعهم من ظُلم الملوك".
• والعرب في هذه الأوقات قلة.
كما جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم عن أم شريك رضي الله عنها أنها سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ليفِرَّن الناس من الدَّجَّال في الجبال، قالت أم شريك: يا رسول الله، فأين العرب يومئذ؟ قال: هم قليل".
وقد يقال: "إن معنى: "الروم أكثر الناس" إشارة إلى انتشار اللسان الأوروبي، وبداية هجر العربية، قال بعض أهل العلم: "العربي مَن تكلَّم العربية، والأعرابي من سكن البادية وإن كان أعجمياً.
21- كثرة القَّراء وقلة الفقهاء والعلماء:
فقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن من علامات الساعة أن يكثر القرّاء ويقل العلماء.
فقد أخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"سيأتي على الناس زمانٌ تكثر فيه القرَّاء، ويقل فيه الفقهاء، ويُقبَض العلم، ويكثر الهرج، قالوا: وما الهرج؟ قال: القتل بينكم، ثم يأتي بعد ذلك زمانٌ يقرأ القرآن رجالٌ لا يجاوز تراقيهم، ثم يأتي بعد ذلك زمانٌ يجادل المنافق الكافر المشرك بالله المؤمن بمثل ما يقول".
وقد جعل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه كثرة القرّاء وقلة الفقهاء علامة على قلب الموازين واختلال الأمور.
فقد أخرج الدارمي والحاكم عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال:
"كيف أنتم إذا لبستكم فتنة: يهرم فيها الكبير، ويربوا فيها الصغير، ويتخذها الناس سُنَّة، فإذا غيرت قالوا: غيرت السنة، قالوا: ومتى ذلك يا أبا عبدالرحمن؟ قال: إذا كثرت قُرَّاؤكم، وقلت فقهاؤكم، وكثرت أمراؤكم، وقلت أمناؤكم، والتمست الدنيا بعمل الآخرة.
• وفي رواية: "قالوا: ومتى ذلك؟ قال: إذا ذهبت علماؤكم، وكثرت جهلاؤكم، وكثرت قراؤكم، وقلت أمناؤكم، والتمست الدنيا بعمل الآخرة، وتفقه لغير الدين".
تنبيه:
ومعنى قبض العلم: هو قبض مَن يحملون هذا العلم، وهم الفقهاء والعلماء.
كما جاء تفسير ذلك في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم عن عبدالله بن عمرورضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"إن الله عز وجل لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، لكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يُبْقِ عالماً اتخذ الناس رؤوساً جُهَّالاً فسُئِلوا فأفتوا بغير علم فَضَلوا وأضَلُّوا".
[1] السفهاء: جمع "سفيه"، وهو خفيف العقل، قليل التَّدَبُّر، الذي لا يحسن تدبير شئون نفسه فضلاً عن شؤون غيره، والسفه في اللغة: "الخفة"، يقال: ثوب سفيه، أي ثوب خفيف.
[2] والرُّوَيْبِضَة فسَّره النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث التالي: بأنه الرجل التافه يتكلم في أمر العامة، والتافه: الخسيس الحقير، والرُّوَيْبِضَة تصغير "الرابضة": وهو العاجز الذي ربض عن معالي الأمور، وقعد عن طلبها، وزيادة التاء للمبالغة. (النهاية: 2/185).
[3] يخضبون: أي يُغيِّرُون الشعر الأبيض من الشيب الواقع في الرأس واللحية بـ(السواد، أي: باللون الأسود).
[4] كحواصل الحمام: قال الطيبي رحمه الله: "معناه: كحواصل الحمام في الغالب؛ لأن حواصل بعض الحمامات ليست بسودٍ.اهـ
[5] القيّم: يعني مَن يقوم بأمور هؤلاء النسوة، وما يحتجن إليه من النفقة وغيرها.
وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (1/179: "يحتمل أن يُراد بهذا العدد حقيقته، ويحتمل أن يُراد المجاز على الكثرة.
[6] قال القرطبي رحمه الله في "التذكرة": "يحتمل أن يُراد بالقيِّم: مَن يقوم عليهن سواء كن موطوآت أم لا، ويُحتَمَل أن يكون ذلك يقع في الزمان الذي لا يبقى فيه من يقول: "الله الله"، فيتزوج الواحد بغير عدد جهلاً بالحكم الشرعي.
[7] الأصل في الكرَّة: الإقبال في القتال، والفرَّة هي: الفرار، والمعني هنا: أنهم إذا هزموا أو أصابتهم كارثة سارعوا إلى تحسين أوضاعهم ثم يعاودون الكرة.